فتيات الغار لم يشاهدن التلفزيون في حياتهن
اذا كان مهند قد شغل بال العديد من الفتيات، والمسلسلات التركية قد سيطرت على عقولهن، وإذا كان لـ"سبايس تون" مكانة خاصة عند أطفالنا، فكل هذه المصطلحات غريبة عن أفراد هذه العائلة وليس لها تصور معين في أذهانهم، لأنهم بكل بساطة لم يشاهدوا التلفزيون طيلة حياتهم. فنشرة الأخبار و"سوق الحاج لخضر" والدراما السورية، كلها أشياء مبهمة بالنسبة إليهم وكذلك "الجمعي فاميلي"، لأن العالم بالنسبة إليهم ينحصر في "احمد فاميلي" التي تسكن بالغار وكل ما خرج عن هذا المحيط لا يمكنه أن يتفاعل مع عقولهم. فما أطول الأيام وكم هي صعبة أوقات الفراغ التي تقضيها الفتيات بهذه المغارة.
طبعا هذه الحياة كان لها اثرها على صحة العائلة، خاصة الأم التي بلغت الـ47 من عمرها الذي أفنته في رحم المعاناة، وقد أصيبت بداء الروماتيزم الذي يلازمها منذ 5 سنوات وهي الآن لا تتحرك من مكانها إلا بشق الأنفس وهو ما يفسر المشهد الأول لما كانت ابنتها تأخذ بيدها. ويذكر عمي احمد لما تدهورت صحة زوجته ولم تعد تقدر على تحمل الألم، فاضطر إلى حملها على ظهره والسير بها على مسافة حوالي6 كم للوصول الى الطريق الولائي بحثا عن سيارة تقلها الى القطاع الصحي.
وإذا كانت مختلف انواع الحشرات وجرذان الحقول تتقاسم الغار مع العائلة فإن الأخطر من ذلك وجود الثعابين بالمنطقة، ويروي عمي احمد انه سبق له أن شاهد ثعبانا يفوق طوله 3 أمتار وقد اقترب من الغار، لكن عند قذفه بالحصى غير الاتجاه دون ان يلحق الأذى بأحد.
وجبة الإفطار تقتصر أحيانا على الكسرة وحبات البصل
الوجبة الرمضانية بالغار بسيطة جدا وهي عبارة عن طبق الكسكس المغلى بالحليب وقطع الكسرة وحبات البصل، وإذا انتعشت المائدة تتنوع بين بعض العجائن والخضر، وأما اللحم فلازالت العائلة لم تتذوق طعمه في هذا الشهر. وصعوبة الطهي تكمن في انعدام الثلاجة وكل ما تبقى من الأكل لا يمكن الاحتفاظ به ويكون من حظ الكلب أو الحمار. ويحكي عمى احمد انه ذات مرة تبرع عليهم أحد المحسنين بتيس ذبحوه فوجدوا أنفسهم في ورطة، لأن عليهم أكله وإنهاؤه في يومه الأول لعدم وجود الثلاجة، ورغم فقر العائلة إلا أنها كانت كريمة في ذلك اليوم فتصدقت بجزء منه على أحد الجيران الذي يبعد عنهم بحوالي 2 كلم. وبالنسبة لعمي احمد، "قفة رمضان" لا تعني أي شيء، فلم يكلف نفسه إطلاقا الاتصال بمسؤولي البلدية وفوض أمره لله.
هذه هي إذن يوميات عائلة تعيش في غار، معزولة عن العالم الخارجي. فهل يعلم وزير التضامن بالمأساة المركبة لهذه العائلة وأطفالها، وهل يعلم وزير التربية بأن نصر الدين ورفيعة ورزيقة واخوتهم تجاوزوا سن التمدرس ولم يلتحقوا بالمدرسة، وهل يعلم وزير الداخلية بأن هناك أطفالا من هذه العائلة غير مسجلين في الحالة المدنية ولا يمكنهم الحصول على شهادة الميلاد، بل لا وجود لهم أصلا في تعداد السكان. وهل يعلم وزير الموارد المائية أن هؤلاء يشربون من ينبوع يبعد عنهم ببضع كيلومترات ولا يسمعون بقنوات الصرف الحي. وهل يعلم وزير الصحة ان هناك من ولد بالغار والمريض عند العائلة ينقل على الأكتاف لبلوغ القطاع الصحي ولا يسمعون إطلاقا بالصحة الجوارية، وهل يعلم وزير النقل ان وسيلة النقل الوحيدة عند هؤلاء هي الحمار الذي سئم عيش الغار، فما بالك بأفراد العائلة. وهل يعلم وزير المجاهدين ان عمي احمد، ابن شهيد، ضحى والده من اجل الجزائر التي لم ينل منها إلا مغارة موحشة.