ما أجمل تلك العيون !!
خلق الله البشرية جمعاء بيديه الشريفتين ونفخ فيهم من روحه
{قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ } ، وسواهم فأحسن خلقهم عن سائر
ما خلق من مخلوقات وآيات { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } قال ابن كثير : في أحسن صورة .
{فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ } فاحمد الله على ما أولاك من نعم تترا ووظائف شتى ، يدين فغيرك لا يملك إلا يدٌ واحدة
أعرج فغيرك مشلول ولئن بقينا نَعُدُ ما أحصينها عددا .
سأخص حديثي عن العينين {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ } ،
حاسة الإبصار والرؤية بدونهما يكون الإنسان ضريراً لا يرى من
حوله لا يُميز ما يَلبس ويَتعثر ويَسقُط مِراراً وتِكراراً هذا إن لم يورده بصره المهالك
فيُروى لي أن أحداً من الناس
كان أعشى لا يرى جيداً فبينما هو خارجٌ من مدرسته صعد في حافلة توصيل الطالبات فنال من الضربات
الموجعة منهن الكثير وأكمل عليه من حضر الموقف حُمل على إثرها إلى المستشفى صريعاً دون أن يتبين القوم ما به !
فالعين لشدة قيمتها لمالكها جَعَلَ الله جزاء من فُقِأت عينه أن يقتص بالمثل { وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ } ما لم يرد الكفارة أو
العفوَ عن غريمه ، هذا على المستوى المادي فحسب .
ولو نظرنا لهذه النعمة لربما تحولت إلى نقمة فكم من عين اغتابت ؟ وكم من عين لمزت ؟ وكم من عين زنت ؟
وكم من عين أوردت صاحبها أن فُقِأت عينه ؟ وكم من عين أوردت صاحبها نار جهنم لإطلاق العنان لها
تصول وتجول بلا رقيب ؟
لذا من كان بصرهُ حسرة عليه كان كالذي لا يبصر الحق فقال عنهم الباري جلّ في علاه :
{لَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا } ، نسأل الله السلامة والعافية ، نجد أن العين تتلذذ كذلك إما بالحلال أو بالحرام
لذلك نجد أن الله أعد لعباده المتقين ما يمتعون به أعينهم و يتلذذون برؤيته { يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
فما أجمل هذه العيون حينها !!
أمتدح الله المؤمنين المخبتين إليه الصادقون في سرهم وعلانيتهم وأمتدح أعينهم فقال :
{ الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ }
فما أجملها من عيون فدت نفسها وأصحابها .
الأعين الصادقة مع ربها هي تلك العيون الرقيقة التي تسكب الدموع مدراراً بين يدي ربها تناجيه وتخشاه وترجوه هذه هي الأعين التي يستحق الوقوف عندها والفخر بها .
وهناك أعين حرمها الله من النار وتحريم لمس النار العينين تقتضي عدم لمس صاحبها والله أعلم
فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله ) رواه البخاري ،
فتلك العين الباكية من خشية الله هي تلك التي بينها وبين الهوى مجاهدة التائبين عن المعاصي فما أجملها من عين ،
والعين الأخرى هي تلك العين الساهرة في حفظ الأمن بل العقيدة من باب أولى من كيد الكائدين فما أجملها من عيون .
وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم (... ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عينا ه .. )
فانظر يا رعاك الله إلى هذا الرجل الذي كان وحيداً فريداً ذكر الله إما بقراءة للقرآن أو دعاء أو تفكر أو محاسبة
للنفس فذرفت عيناه تلك الدموع الحرة الطاهرة تبتغي ما عند الله
فما أجملها من عيون !!
فَجَملوا أعينكم بما يرضي ربكم وترفعوا بها عما يشين ويبغض عليكم الجبار جلّ في عُلاه .
فكل ما أولانا الله ورزقنا إما نعمة أو نقمة ، لك تشهد وتشفع أوعليك تشهد .
اللهم صُن أعيننا عن معاصيك وهيئ لها ما يرضيك ، اللهم جملها ولذذها بمناجاتك وعبادتك ،
اللهم إنا نعوذ بك من علمٍ لا ينفع ومن عينٍ لا تدمع ومن قلبٍ لا يخشع ومن دعاءٍ لا يُسمع ومن نفس لا تشبع ،،
يا رب العالمين