-متى ؟ إن لم يكن في رمضان..
صعد رسول الله صلى الله عليه و وسلم درجات منبره الثلاث وكان في كل درجة يقول آمين فتعجب الصحابة رضوان الله عليهم وسألوه فقال عليه الصلاة والسلام: أتاني جبريل فقال يا محمد: رغم أنف عبد أدرك رمضان ولم يغفر له قل آمين فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف عبد أدرك والديه أحدهما أو كلاهما فلم يدخلاه الجنة قل: آمين فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف عبد ذكرت عنده فلم يصل عليك قل: آمين فقلت: آمين".
والشاهد في موضوعنا قوله رغم أنف عبد أدرك رمضان ولم يغفر له ، كأن جبريل يستغرب كيف يكون هذا لذا فهو يدعو على ذلك الشقى المحروم الذي فرط في فرصة المغفرة خلال هذا الشهر المبارك حتى انقضى ومضى ولم يتعرض فيه لنفحة من نفحات الرب تبارك وتعالى والتي كانت واحدة منها كفيلة بغفران ذنوبه، فلا يحرم بركة رمضان إلا محروم، ظالم لنفسه. كيف لنا والفرص كلها سانحة للعودة إلى الله والتوبة والمغرة من الذنوب.. الشياطين وقد صفدت والأجور وقد ضوعفت وأبواب الجنة وقد فتحت وأبواب الجحيم وقد أغلقت، فيه ليلة خير من ألف ليلة. لله فيه في كل ليلة عتقاء من النار. ومن صامه إيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.
فهل بعد هذا الخير عذر لمعتذر؟ اللهم لا. نسأل الله بمنه وجوده وكرمه أن يكتبنا فيه من الفائزين ويعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا وإخواننا وأزواجنا وذرياتنا من النار.
- يا ضعيف الإرادة قد فضحك رمضان:
في رمضان تقوى إراداتنا وتشتد عزائمنا ونعمل ما كنا عاجزين عنه في غير رمضان، ومن ذلك حفظ الجوارح وعلى رأسها اللسان والبصر عن الكلام فيما حرم الله أو النظر إلى الحرام وكذلك نؤدي العبادات والطاعات ما كنا عاجزين عن أداء ولو جزء يسير منه ومن ذلك قيام الليل مثلاً ففي حين أننا نقضي مع الإمام كل ليلة ما يقارب الساعة والربع في صلاة العشاء والتراويح وتزداد إلى ثلاث ساعات في العشر الأواخر ما بين قيام أو تهجد نجد أننا غير قادرين على ذلك في غير رمضان فما السبب؟ إنها الإرادة والعزيمة، فمتى ما أراد الإنسان أن يعمل عملاً فإنه بإمكانه أن يعمله ومتى ما أوهم نفسه أنه لا يستطيع فلن يعمله. ولعل الحديث يجرنا إلى إخواننا المدخنين فكثير منهم يحتجون بعدم قدرتهم على ترك هذه العادة رغم قناعتهم بخطرها على المال والصحة وقبل ذلك التعرض لغضب الله من جراء مقارفة هذا الأمر المحرم وما يتضمنه من إسراف وتبذير للمال وإزهاق للروح بتعريضها للأمراض الخبيثة. فالمدخن يصبر في رمضان ما لا يقل عن 13 إلى 14 ساعة في حين أنه في الأيام العادية لا يستطيع أن يصبر أكثر من ساعتين... فما السبب ؟ إنها الإرادة والإرادة فقط فلو عزم على تركه لتركه ولكن ......... نسأل الله أن يتوب علينا جميعا وأن يبصرنا بعيوبنا وأن يلهمنا رشدنا إنه ولي ذلك والقادر عليه
--لا يكن صومك عادة-:
من الناس من يصوم رمضان لأنه اعتاد فعل ذلك منذ الصغر أو لأن المجتمع حوله يمسك عن الأكل والشرب خلال هذا الشهر فاعتاده فهو يفعله آلياً دون أن يفكر أو يتأمل أو يستحضر في ذهنه وفكره عظم هذه العباده وأنه دخل في عباده فرضها عليه ربه وأنه يتقرب بها طاعة له وطمعاً في مغفرته ورغبة فيما أعده للصائمين من الأجر والمثوبة، لا يستحضر هذه المعاني أبداً.
وفئة أخرى تصوم وهي كارهة للصوم والعياذ بالله ولا ترى فيه سوى أنه مشقة وعناء على النفس، فتجدهم يعدون الساعات والأيام منتظرين خروج الشهر.
فالمسألة إذن تدور على النية، لذا فإننا نجد أن الله عز وجل رتب الأجر العظيم والمثوبة الكبيرة على من صامه إيماناً واحتساباً فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". ومعنى إيماناً واحتساباً: يعني إيماناً بالله ورضاً بفرضية الصوم واحتساباً لثوابه وأجره. فهلا تنبهنا لهذا وأخلصنا النية، نسأل الله ذلك.
- تفرغ وقلل من هذه الأمور:
مما يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه إذا رأى هلال رمضان قال: (اللهم أهله علينا بالسلامة من الأسقام، وبالفراغ من الأشغال، ورضنا فيه بالقليل من النوم والطعام).
دعوات جليلات، قليلات الكلمات ولكنهن عظيمات المعنى ، فهو رضي الله عنه يدعو الله عز وجل أن يسلمه من الأمراض وأن يمن عليه بالفراغ من أشغال الدنيا وأن يقنعه بالقليل من النوم والطعام لكي يتفرغ للعبادة في هذا الشهر المبارك الذي عرف فضله وقدره وأجره. فالمريض لا يقوى على الصيام ولا القيام ولا الذكر ولا قراءة القرآن فيحرم الخير الكثير المتاح في هذا الشهر، وكذا صاحب الأعمال الكثيرة والأشغال المتواصلة يمضي عليه الوقت سريعاً وهو غارق في مشاغله، وأيضاً الصحيح السليم الذي يكثر في هذا الشهر من المأكولات فيمتلئ بها بطنه فتصعب عليه الحركة ويتعبه القيام مع المصلين في الصف في قيام الليل، والذي يمضي جل وقته في النوم يحرم نفسه تلاوة القرآن والتزود من معينه الذي لا ينضب من الحسنات فكل حرف منه بحسنة والحسنة بعشر أمثالها. نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يستغلون دقائق وساعات هذا الشهر المبارك وأن يسلمنا فيه من الأسقام ويفرغنا فيه من الأشغال ويرضينا فيه بالقليل من النوم والطعام.
- مضى رمضان فهل من وقفة محاسبة:
بالأمس استبشرنا بهلال شهر رمضان واليوم ودعنا ثلث الشهر، عشرة أيام مرت كطرفة عين وستمر بقية الأيام وربما بسرعة أكبر ونفاجأ بأن الشهر الكريم قد ودع ولن يعود إلا بعد عام وقد ندركه عندما يعود وقد لا ندركه فربما يكون هذا العام آخر عهدنا برمضان والأعمار بيد الله. أفليس من المناسب أن نقف مع أنفسنا في لحظة صدق ونفكر ماذا قدمنا من أعمال فيما مضى من أيام، كم قرأنا من القرآن حتى الآن؟ كيف كانت محافظتنا على صلاة الجماعة؟ كيف كانت محافظتنا على صلاة التراويح؟ بر الوالدين؟ صلة الرحم؟ الصدقة؟ غض البصر؟ حفظ السمع؟ إفطار صائم؟ مساعدة المحتاجين؟ الدعاء للمجاهدين؟ ..الخ من أعمال البر والخير التي تضاعف أجورها في رمضان؟ فمن وجد في نفسه خيراً فليحمد الله وليستزيد ، ومن وجد غير ذلك فليتدارك نفسه وليلحق بالركب فما زال في الزمن بقية والفرصة قائمة فليشمر وليعزم وليتقوى بالصبر والاحتساب حتى لا يندم إذا ما رحل رمضان وهو مازال مقيم على الكسل والتقصير. نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يمد في أعمارنا في طاعته وأن يبارك في أوقاتنا وأن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه وأن يجعل عملنا في رضاه إنه ولي ذلك والقادر عليه .
- لعلكم تتقون:
يقول الله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) التقوى .. تطرق أسماعنا هذه الكلمة ومشتقاتها كثيراً فقد ورد ذكرها في القرآن الكريم نحو 87 مرة، ووردت في الأحاديث النبوية كثيراً ونسمعها في خطب الجمعة والمواعظ فما معناها يا ترى؟ ومن هم المتقون وما صفاتهم؟ تعددت التفاسير لهذه الكلمة ولكنها كلها تدور حول أنهم هم الذين يجعلون بينهم وبين عذاب الله وقاية بامتثال أوامره واجتناب نواهيه وأما صفاتهم فقد وردت في سورة البقرة في قول الله تعالى الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ومعنى يؤمنون بالغيب: أي يصدقون بما غاب عنهم ولم تدركه حواسهم من البعث والجنة والنار والصراط والحساب. ومعنى يقيمون الصلاة أي يؤدونها على الوجه الأكمل بشروطها وأركانها وخشوعها وآدابها. وأما جزاء المتقين فاسمع قول الله تعالى: ( مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار) وقوله تعالى إن المتقين في جنات وعيون) وقوله تعالى: ( إن للمتقين مفازا * حدائق وأعنابا * وكواعب وأتراباً * وكأساً دهاقا * لا يسمعون فيها لغواً ولا كذابا * جزاءً من ربك عطاءً حسابا . فاللهم ارزقنا صوماً يحقق لنا التقوى واجعلنا ممن المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون[b]