الصيام مدرسة التغيير لإصلاح الأمة
إن الصيام في رمضان من أعظم الشعائر التي تساهم مساهمة فعالة في جمع الأمة العربية والإسلامية بكل دولها ومذاهبها ولغاتها وأعرافها، حيث يتفق جميع أبناء الأمة في العالم كله على أن الصيام في رمضان واجب وليس نافلة، وأنه واجب في شهر رمضان وليس في أي شهر آخر غير رمضان
، كما يتفقون على أن الصيام من الفجر إلى المغرب وليس من الفجر إلى الظهر في مذهب أو إلى العصر في مذهب ثان، أو بين العصر إلى الفجر في مذهب آخر، كما أن جميع المسلمين يُمسكون عن المفطرات نفسها من طعام وشراب وجماع، ولا أحد من مذاهبها يجيز شيئا من ذلك، وهذا هو الذي يجعل كل عاقل من الأمة ينظر إلى نقاط الاتفاق والوفاق التي تمثل جذع الشجرة بجذورها العميقة المستندة إلى النصوص القطعية في القرآن والسنة، مما لا يختلف عليه أحد من المسلمين، لكن فروعا عديدة في الفقه مثل فروع الشجرة الممتدة شرقا أو غربا، شمالا وجنوبا، هذه خصائص الشجرة، حيث يكون لها جذع واحد، وفروع عديدة، فمن الفروع الفقهية كيفية ثبوت الهلال بالعين المجردة أو الحساب الفلكي أو العين المجردة ما لم ينفها الحساب الفلكي، وهذه الآراء الثلاثة خلافية داخل كل المذاهب الكبرى، وكذا عدد الشهود لهلال رمضان أو شوال· هذه الثوابت مع الفروع تعد جزءا من مرونة الإسلام، واحترامه لاختلاف العقول، وأساليب الاستنباط·
2 ـ يحرص كثير من المسلمين الميسورين على إخراج زكاة أموالهم في رمضان طمعا في مضاعفة الأجر، وهذا له تأثير كبير على الدولة والأمة الإسلامية في جوانب كثيرة منها ما يلي:
أ ـ علاج مشكلات البطالة والجريمة في آن واحد، فالسياج الإيماني للزكاة والصيام يعالج البطالة التي تؤدي غالبا إلى الجريمة، حيث يعتقد كل قادر على الكسب أن الزكاة أوساخ الناس له في الدنيا، ونكتة سوداء في وجهه في الآخرة كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أحاديث عديدة، فيندفع إلى العمل والكسب دون أن يكون عالة على غيره، ومن عنده طاقة للعمل ولا يجد مالا أو آلة حرفة فالأصل أن يعطي شبكة لا سمكة، ويتحول من الاستهلاك للمال والأحقاد على المجتمع والدولة إلى المنتج المشارك في بناء المجتمع والأمة، ومن كان فقيرا ضعيفا لا يقدر على العمل فلا خلاف في وجوب كفالته، وحسن إعالته بما يجعله مصدر أجر وثواب ودعاء لأصحاب المال والأعمال، وهو ثراء من نوع آخر في الدنيا والآخرة·
ب ـ الزكاة ومعها الصدقات الكثيرة في رمضان تساهم في إنهاء الفقر العالمي، وإذا كانت مجلة التايم الأمريكية قد نشرت في صفحتها الأولى في مارس 2005م أن هناك مليارا ومائة مليون فقير فقرا شديدا في العالم، كما نشرت منظمة الصحة العالمية في جويلية 2006م أن هناك أكثر من 560 مليون طفل يموتون كل عام بسبب الفقر ونقص الدواء، وهناك عشرات الملايين من الأطفال يتركون الدراسة للعمل الشاق بحثا عن كسرة خبز، فإن أغنياء الأمة الإسلامية هم أول من يجب أن يبادروا إلى إعلان عالمي لكفالة فقراء العالم تحت شعار (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) ''المائدة ,''32 وهذا مما تؤكده أكثر من مائة وثلاثين آية في القرآن الكريم ومئات من الأحاديث النبوية في الحث على الإنفاق وبذل المال لكل محتاج مسلما أو غير مسلم، عربيا أو أعجمبيا، رجلا أو امرأة، شيخا كبيرا أو طفلا صغيرا، وبهذا يساهم أغنياء الأمة في إعطاء صورة ناصعة عن الإسلام والمسلمين مغايرة لصورتنا المشوهة في العالم الآن·
ج ـ تساهم الزكوات والصدقات في تقوية الوقف الإسلامي للمساجد والمدارس والمؤسسات ذات النفع العام دعما لفعل الخير ونفع الغير، واستقرار مؤسسات النفع العام يأتي بتعاون بين الأنظمة والشعوب، حين تخصص الأنظمة من···