الفشل الدراسي...اكتشفوا المشكلة لتجدوا الحلّ!
إذا كان النجاح الدراسي يعتمد على الوقت الذي يمضيه الطلاب في الحصص الدراسية، فلا شك في أنّ عدداً كبيراً من المراهقين سيرسبون! لكنّ نسبة النتائج المتواضعة، أو المتوسطة، أو حتى السيئة، ليست قليلة. ما هي أسباب الفشل الدراسي الذي يواجهه أولادنا؟
تتوافق بداية المراهقة مع الدخول في مرحلة دراسية جديدة. ففي الوقت الذي يبلغ فيه الشاب سن البلوغ، يتحوّل عالمه كلّه بشكل جذري. إذا كانت الحضانة والمرحلة الابتدائية تُدرَّسان في المبنى نفسه، قد يختلف مكان تدريس المراحل التكميلية والثانوية، ما يعني الانتقال إلى مكان جديد. غالباً ما يفقد الشاب أصدقاءه لهذا السبب، ويشعر بالضغوط نتيجةً لتغيّر البيئة التي اعتاد عليها. فوق ذلك كلّه، يواجه المراهق مواد جديدة وحصصاً مختلفة ويُستبدَل المدرّس الوحيد الذي اعتاد عليه بعدد من المدرّسين.
تساهم هذه التغيرات كلّها في تحويل بداية المرحلة التكميلية إلى فترة انتقالية تشير إلى نهاية الطفولة. لكن المراهق لا يتقبّلها دائماً بحماسة كبيرة.
حين تغيب الحوافز
وفقاً للخبراء، تشكّل المدرسة الجزء الأكبر من حياة المراهق، وهي بمثابة شبكة علاقاته الاجتماعية. كذلك تشكّل بالنسبة إليه الامتحان النهائي، أي شهادة الثانوية العامّة، الذي يتيح له الانخراط في معترك الحياة. في الواقع، يدرك المراهق أنّ هذه السنوات الدراسية، في المرحلة التكميلية والثانوية، هي التي تحدد مستقبله، لكنه لا يعيش هذه التجربة بحماسة كبيرة، بل يقنع نفسه بأن الجميع يمرّون بهذه المرحلة. بالتالي، تولّد المدرسة لدى الكثيرين نقصاً في التحفيز. لكن يرى بعض المدرّسين أنّ هذا النقص قد يعود لأسباب أخرى. لا يخطّط عدد كبير من الشباب لأيّ مشاريع مهنيّة محددة، فلا يعرفون ما يريدون فعله، ويتساءلون بالتالي عن معنى وجودهم في المدرسة. يفتقر هؤلاء الشباب إلى الحوافز! يروي أحد مهندسي الكمبيوتر اللامعين اليوم، مع أنه لم يحبّ المدرسة يوماً، أنّ بعض المراهقين يشعر برغبة في التحرك وفي اختبار العالم، ويخضع لعوامل نفسية وعاطفية بسبب تبدّل صورته والتغيرات الجسدية التي يعيشها. بالنسبة الى هذا المهندس، كان الذهاب إلى المدرسة بمثابة سخرة يومية لأنه لم يكن يجد في ذلك الوقت أي نفع من الدروس التي كان يتلقّاها: «كنتُ أحرص على عدم تفويت حصص الرياضة. أما باقي الدروس، فكانت مملّة جداً ولم أشعر بأي تحفيز لحضورها». بدأ هذا الشاب العمل حين كان في الصف الأخير، فأدرك حينها أنه يحتاج إلى شهادته الثانوية لممارسة أي مهنة من اختياره: «قبل أشهر من بداية الامتحانات، بدأتُ أدرس لسبب وحيد، وهو أنني لم أشأ أن أُرفض في الجامعة التي أردتُ ارتيادها». نتيجةً لذلك، أنهى المرحلة الثانوية في الوقت الذي كان عليه إرسال أوراق الانتساب إلى الجامعة: «سألتُ نفسي عن المجال الذي أحبّه وعن الأمور التي أجيدها، ففرض الجواب نفسه عليّ». لكنّه ما كان ليتمكّن من اتّخاذ هذا القرار سابقاً لأنه لم يكن ناضجاً بما يكفي. يرى هذا الشاب اليوم أنّ الطلب من مراهقين صغار اختيار المجال الذي سيدرسونه قبل السنة الدراسية الأخيرة أمر سخيف: «كيف يمكن أن يقرر فتىً في الخامسة عشرة أو السادسة عشرة ما يريد فعله في حياته؟ والأسوء من ذلك هو أنه إذا أخذ خياراً خاطئاً، قد يُغلَق بعض الأبواب أمامه».
الطريق نحو الاستقلاليّة
إذا كان غياب الحوافز من أسباب فشل البعض في المدرسة، يرى الخبراء أن العلاقات التي يعيشها المراهق تؤثر أيضاً في هذا المجال. في حال الرسوب، من الضروري التحقق من انعكاسات العلاقات القائمة في حياة الطالب، تحديداً على مستوى الاستقلالية ونوع العلاقة التي يقيمها الكبار مع المراهق المعنيّ بالموضوع.
في الواقع، يمرّ المراهق في مرحلة تقوده نحو الاستقلالية التي تتحقق على مراحل عدة. يكون المرء بدايةً في مرحلة الاتّكالية التي تميّز حالة الطفل الصغير. بعد ذلك، يمرّ بمرحلة التكيف القسري التي يدرس خلالها المراهق في المدرسة لإرضاء أهله أو مدرّسه أو أيّ مرجع آخر من الراشدين. ثم يدخل المراهق في فترة رفض الاتكالية على الآخر، أي مرحلة التمرد التي يرفض فيها كلّ ما يقوله له الآخرون. إذا كان الأهل من النوع الذي يبالغ في إحاطة ابنه، تكون هذه المراحل عنيفة جداً لأن الابن يحتاج إلى خلق مسافة بينه وبين عالم الأهل لبناء شخصيته بنفسه. قد يكون رفض الدرس أحد مؤشرات هذه الحاجة إلى بناء الذات. ثم تأتي مرحلة الاستقلالية التي يدرك فيها المراهق ألا ضرورة للاعتراض دائماً وأنه ليس خاضعاً لإرادة أحد. في هذه الحالة، ينظّم المراهق حياته بنفسه وقد يتّخذ قراراً من دون الرجوع إلى أهله. أخيراً، تحلّ المرحلة الأخيرة أي الاستقلالية الاختيارية: قد يختار المراهق اللجوء إلى مساعدة الآخرين أو الحفاظ على استقلالية قراراته بحسب المواقف التي يواجهها.
يرى الخبراء ضرورة أن يبتعد الأهل قليلاً عن أبنائهم خلال هذه المراحل. فإذا كان المراهق يمرّ بمرحلة الاستقلالية فيما يمارس عليه الأهل ضغوطاً كبيرة للنجاح في المدرسة، قد يختار استراتيجية الفشل لمجرد معاندتهم. لنأخذ مثلاً عن أب يعمل مهندساً وابنه تلميذ لامع في الرياضيات: إذا أراد الأب أن يصبح ابنه مهندساً مثله في حين يحتاج الابن إلى الابتعاد عن هذا النموذج العائلي لبناء شخصيته، من المؤكد أنّ المراهق سيصبح «غبياً» في الرياضيات. بغض النظر عن السن، قد ينجم الفشل الدراسي عن مشاكل في العلاقات، لا سيّما خلال المراهقة، لأنّ نظام العلاقات يعكس في آن عالم الإحاطة العاطفية الذي توفره الأم والقانون الذي يفرضه الأب.
صحيح أنّ غياب الحوافز والمصاعب في العلاقات هو من الأسباب المحتملة للنتائج المتوسطة أو السيئة في المدرسة، لكنّ ذلك لا يمنع وجود مشاكل في استيعاب المراهق أو أصدقاء لهم تأثير سيئ عليه أو شعوره بالكآبة. في الواقع، تتعدد الأسباب المؤدية إلى الفشل الدراسي.
رأي الخبراء
في بداية العام الدراسي، يجب تحديد خطّة عمل مع التلميذ وتخصيص الوقت الكافي لمناقشة الأهداف التي ينبغي تحقيقها خلال السنة. يمكن إبرام عقد، رسمي أو شفهي، لحثه على تنفيذ أهداف ملموسة. يمكن التفاوض مثلاً على وقت الخروج، كذلك يجب التطرّق إلى حاجاته العاطفية الشخصية. لا بدّ أيضاً من التنبه إلى أنّ التلميذ لا يرسب من دون سبب، إذ ثمة مؤشرات تسبق الرسوب. حتى إذا نال التلميذ علامة 10 أو 12 على 20، على الأهل مراجعة ورقة العلامات وقراءة تعليقات الأساتذة لا العلامة فحسب. تُعتبر هذه النقطة في غاية الأهمية لأن المدرّسين يذكرون النقاط الإيجابية ونقاط التحسن والإخفاقات. إذا لم يفهم الأهل شيئاً من الملاحظات المذكورة، يجب مقابلة الأساتذة، لكن من الضروري أولاً التكلم مع الابن قبل فعل ذلك.
على صعيد آخر، لا يجب تجاهل المشكلة بل سدّ الثغرات. قد يفرض بعض الحالات ضرورة أخذ دروس خصوصية خلال العطلة الصيفية لأن التلميذ يحتاج إلى الاجتهاد للتقدم. قلّةٌ من التلاميذ يرسبون عمداً لمجرد الرسوب! إذا انتفت جميع أسباب الفشل الدراسي المحتملة، يجب التأكد من أن التلميذ لا يواجه مشكلة في المدرسة